الأربعاء، 16 يونيو 2010

الملك والسيد الغريب - قصة قصيرة

في يوم جلس الملك وحوله حراسه وأتباعه المخلصين فنظر وتسائل عن قائد جيوشه أين هو؟ فكان أعز صديق له وتجمعهم محبة عجيبة كمحبة داود ويوناثان. فقيل له إنه لم يحضر اليوم، فطلب الملك من كبير الخدم أن يذهب ليسأل عنه وبالفعل ذهب الخادم مسرعاً وبعد أن مرت نصف ساعة فوجئ الجميع بالخادم يجري مهرولاً مذعوراً ودار الحوار التالي:

الملك: ما بالك أيها الخادم، ولماذا تجري هكذا؟ لقد أفزعتنا .. ماذا جرى لحبيبنا قائد الجيوش؟

الخادم: سامحني يا مولاي ولكن الخيانة روعتني وجعلتني آتي سريعاً لكي تنجو وأصحابك بأنفسكم سريعاً

فسأله الملك وسط دهشته ودهشة الحاضرين: ماذا بك هل جننت لتقول مثل هذا الكلام؟ هل أصاب حبيبنا قائد الجيوش ضرر من أحد أم هل نتعرض لغزوة من بلد آخر وقد اقتحموا البلدة؟ احكي ماذا جرى؟

الخادم: ذهبت إلى قصر القائد فوجدته جمع الجيش وسمعته يقول لهم أن يتوزعوا حول البلدة وحول قصركم الكريم هذا وقصور الأمراء والنبلاء وطلب منهم أن يقبضوا عليكم ويطردونكم. فتنكرت واقتربت منهم وسألتهم عن ماذا جرى فقيل لي أن القائد منذ فترة بدأ يتغير وبدأ يقضي ليلهِ مع فتيات الهوى والُمسكر وخسر كل ماله ومنذ يومين  أقترض مبلغ من أحد السادة الغرباء عن البلدة مبلغاً كبيراً جداً، وقد علمت أن هذا السيد الغريب لا يأتي من مسكنه وبلدته بل يبعث خدمهِ، وفي ليلة أمس طلب منه السيد الغريب أن يُسدد ما عليه، فأرسل قائد الجيوش رجاله ونهبوا كل ما في منازل رعاياك وباعها في البلاد المجاورة وسدد النصف وصرف الباقي على لهوه. وفي هذه الليلة ينوي أن ينهب قصور السادة النبلاء ويستولي على المُلك وقد اتفق مع السيد الغريب أن يبيع له البلدة بما فيها مقابل أن يُسدد كل ديونه.

ذُهل الملك واستغرق في بكاء حار وحين فاق لم يجد أحداً معه فجميعهم هربوا وتركوه وحيداً. وهنا تماسك الملك وقال البكاء لن يُجدي شيئاً بل يجب أن أنقذه، أجل أُنقذ حبيبي قائد الجيوش إنه وقع في خدعة ومكر هذا السيد الغريب.

وقام الملك مسرعاً ليقابل قائد الجيوش وحين التقيا بادره الملك بالسؤال: أحقاً ما سمعته عن أمورك أمس والليلة وإنك تريد أن تبيع المملكة للسيد الغريب لتسدد ما عليك؟ أخبرني ما هي ديونك كم من المال والذهب تطلب لكي تعطي له الدين ويترك هذا السيد بلدتنا؟. بكى قائد الجيوش وقال له الدين هو رقبتي، هو حياتي إن لم اُسلم كل المملكة إليه، إنه استخدمني لكي أقتلك وأعطيه المملكة مقابل أن يتركني في حريتي كي أفعل ما أريد، إنها الحرية منك أيها الملك ومن كل القيود ومن كل القوانين والدساتير، ولكني لن أقتلك بل سوف أطردك خارجاً لأني أتذكر لك بعض الخير معي.

الملك: حقاً!!! أهذا هو ما يُسعدك ؟ بدلاً من ليالي الصلاة التي كانت تجمعنا وعمل الخير الذي كنا نتبارى فيه هكذا تبيع هذه السعادة الحقيقية بما هو مزيف.

قائد الجيوش: كل الذي تتحدث عنه سوف أفعله ولكني سوف أفعل معه ما أريد هكذا قال لي هذا السيد إنه لن يمنعني من عبادتي ولكنه أيضاً لن يقيدني بل سيترك لي أن أفعل كل ما تشتهيه نفسي.

نظر إليه الملك طويلاً ثم رفع عينيه إلى السماء وأجابه قائلاً: إذا أردت هذا فلن تأخذ المملكة إلا بدمي كما طلب منك، لأنك لو لم تقتلني سيعتبرك مخالفاً له وقد يقتلك أو يطردك فلن تفوز بشئ. ولكني أريده هو أن يقتلني لأنه هو الذي ينافسني وليس أنت. أذهب وأخبره وأعطني جواباً وأنا سوف أنتظره على باب المدينة.

مرت ساعات من القلق والشعب يبكي والملك بالخارج ينتظر الرد. وفجأة سُمع صوت صهيل خيل يأتي من بعيد يقترب بسرعة فوقف الملك استعداداً فوجد أمامه شخصاً جباراً في طوله وقامته جميلاً منظره، وشعره طويل جداً كليلة حالكة السواد أما عيناه ملونة جذابة، وابتسامته رقيقة ساحرة. نظر إليه الملك وأنبهر وقال في نفسه كان قائد الجيوش ضعيفاً فأنخدع بحلاوة الرجل ومنظره أما أنا فلا، لن أُخدع.

قال له الملك أيها السيد إذا كنت تريد المملكة فأقتلني . ونظر إلى شعبه وقال لهم: لن يستطيع هذا السيد الغريب أن يدخل بلدتنا بل سوف أنتصر عليه وأكون أنا ملككم.

وهنا رفع السيد الغريب يديه كحرف رقم 8 من خلف رأسه  كإشارة للهجوم، وهنا وجد السيد بعض من شعبه خرجوا وضربوه على رأسه وألقوه أرضاً فنظر إليهم وبكى ووجد الأرض تهتز فإذا به ينظر أن هذا السيد الغريب جاء ليدوس عليه ويقتله. وهنا فاجأ الملك الجميع ووقف على قدميه وضرب برمحه السيد الغريب في قلبه وتبعه بآخر فوقع السيد الغريب على الأرض وسقط الجبار سقطة هائلة مدوية وهنا صرخ أتباعه حين وجدوا الملك يُمسك السلاسل الحديدية التي في جيب الجبار يربطه بها بعد أن كان الجبار يربط بها أتباعه وقيده وألقاه في نهر المدينة. فهتف الناس للملك وهنا نظر الملك لقائد الجيوش وقال له أعرفت كم هو ضعيف؟ ارجع يا حبيبي إليَّ ... فأرتمى القائد في حضن الملك بشدة، ووجد الملك يتألم فنظر إليه قائد الجيوش ووجد جروح الملك من معركته مع السيد الغريب وأتباعه جروح غائرة فعرف أن الملك سيموت فبكى وبكى الشعب.

أما الملك قال لهم: لا تبكون ولا تصرخون وأمسك دمه بيده وقال لهم تذكروا هذا الدم إنه ثمن حياتي من أجلكم أنتم، من أجل حريتكم أنتم فإذا ما تذكرتم أنتم وأولادكم دمي هذا وحافظتم على أنفسكم كنت أنا حياً فيكم بدمي هذا....................

             القاهرة في 16/6/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق